
خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي، لِئَلاَّ أُخْطِئَ إِلَيْكَ. مزمور ١١:١١٩
هل يمكنني أنْ أجد كنيسة الله اليوم؟
٣. الكنيسة المسيحية في صراع مع الشيطان
هناك ثلاث خصائص تميّز الكنيسة المنتصرة خلال مختلف مراحل العصور المسيحية:
١. ”وَهُمْ غَلَبُوهُ (أي الشيطان) بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ“. لقد اختُطِف السيّد المسيح إلى عرش الله لكي تصبح تضحيته التي قدّمها على الصليب فاعلة وذات تأثير في حياة المؤمنين به. فالسيّد المسيح يمكنه أنْ يمسح سجلّ خطايانا ويخلّصنا مِن خلال دمه المسفوك (١ يوحنا ١: ٧). إنّ دم المُخلّص المُقام، ذاك الدم الذي يهبنا الحياة، يعطينا أيضاً القدرة لكي نحيا حياة مسيحية صالحة كلّ يوم (١ بطرس ١: ١٨ – ٢٠).

٢. ”وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ“. إنّ ”دَم الْخَرُوفِ“ جعل المؤمنين بالسيّد المسيح على استعداد للموت مِن أجله. لقد عانى السيّد المسيح كثيراً لأجلهم، وهم الآن على استعداد للمعاناة مِن أجله. حتى الأطفال قَدّموا تضحيات كبيرة. تُروى قصّة عن أمّ مسيحية ألقيَت طعاماً للأسود في العصور الرومانية، وذلك بسبب إيمانها بالسيّد المسيح. وكان على ابنتها الصغيرة مشاهدة هذه العقوبة القاسية. ولكنْ، بدلاً مِن أنْ تنكمش الابنة في رعب، وقفت وصرخت ”أنا مسيحية أيضاً!“، فما كان مِن الجنود الرومان إلّا أنْ ألقوا بها إلى الوحوش الجائعة جنباً إلى جنب مع والدتها.
٣. ”وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ“. تشير ”كَلِمَة شَهَادَتِهِمْ“ إلى الشهادة الحيّة على قوّة السيّد المسيح وإنجيله. فخلال أشدّ الساعات ظلمة عبر القرون المنصرمة، تغلّب المؤمنون بالمسيح ــ ابتداء بمسيحيّي القرن الأول وصولاً إلى المُصلحين البروتستانت ــ على أسوأ ما استطاع الشيطان أنْ يقذفه عليهم، ويعود انتصارهم ذلك ببساطة إلى حياتهم التي قدّمت شهادة حيّة عن إيمانهم الراسخ.
ترسم الآية في (رؤيا ١٢: ١١) صورة لكنيسة المسيح المنتصرة والمليئة بالمُنتصرين مِن الرسل والشهداء والمُصلحين وغيرهم مِن المسيحيين المؤمنين. لقد هزّت العالمَ شهادةُ شجاعتهم وإخلاصهم عبر القرون.
منذ ذلك الحين عندما فشل الشيطان في القضاء على ابن الله خلال فترة تجسّده على الأرض، منذ ذلك الحين وحتى الآن ما يزال الشيطان يسعى لتدمير كنيسة السيّد المسيح.
”وَلَمَّا رَأَى التِّنِّينُ أَنَّهُ طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، اضْطَهَدَ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَلَدَتْ الابْنَ الذَّكَرَ، فَأُعْطِيَتِ الْمَرْأَةُ جَنَاحَيِ النَّسْرِ الْعَظِيمِ لِكَيْ تَطِيرَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، حَيْثُ تُعَالُ زَمَانًا وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفَ زَمَانٍ، مِنْ وَجْهِ الْحَيَّةِ. فَأَلْقَتِ الْحَيَّةُ مِنْ فَمِهَا وَرَاءَ الْمَرْأَةِ مَاءً كَنَهْرٍ لِتَجْعَلَهَا تُحْمَلُ بِالنَّهْرِ. فَأَعَانَتِ الأَرْضُ الْمَرْأَةَ، وَفَتَحَتِ الأَرْضُ فَمَهَا وَابْتَلَعَتِ النَّهْرَ الَّذِي أَلْقَاهُ التِّنِّينُ مِنْ فَمِهِ“ (رؤيا ١٢: ١٣ – ١٦).
وكما كان متوَقّعاً، فقد أرسل الشيطان (طوفاناً) مِن الاضطهاد خلال حقبة العصور المظلمة مِن التاريخ المسيحي، والهدف هو أنْ يجرف الكنيسة فتغرق. يريد الشيطان أنْ يُقوّض نفوذ المسيح عن طريق محو كنيسته، وهو يستخدم كلّ الحِيَل العبقريّة الشريرة التي يمكنه استنباطها.
إنّ (التنين) المذكور في سفر الرؤيا يمثّل الشيطان في المقام الأوّل. ولكنْ، تذكّر أنّ الشيطان يستخدم مؤسّسات المجتمع والسلطات المدنية أيضاً لمهاجمة شعب الله، فهو (أي الشيطان) استخدم الملك (هيرودس) في محاولته قتل السيّد المسيح عندما كان طفلاً بُعَيدَ ولادته. كما عمِل الشيطان أيضاً مِن خلال منافسي السيّد المسيح مِن أصحاب الدين الغيورين الذي قاموا بمطاردته ومضايقته، وأخيراً تمكّن الشيطان مِن إيصال السيّد المسيح إلى (حبل المشنقة) ليُعدَم على الصليب. لكنّ انتصار الشيطان في الظاهر تحوّل إلى أعظم انتصار للسيّد المسيح. لقد غضب الشيطان بسبب هزيمته على الصليب، فصبّ جام غضبه على الكنيسة التي أسّسها السيّد المسيح. وخلال العقود التي تلت صلب السيّد المسيح، لاقى الآلاف حتفهم على المدرّجات الرومانية وفي الساحات العامّة والأبراج المحصّنة.
كانت السلطات المدنية أوّل مَن ابتدأ باضطهاد المسيحيين. ولكنْ، بعد وفاة الرسل تسلّل إلى الكنيسة تغيير تدريجي. فخلال القرون الثاني والثالث والرابع، بدأ العديد مِن قادة الكنيسة بتعديل، بل وأحياناً برفض، الحقائق التي علّمها السيّد المسيح ورسله. بدأ البعض باضطهاد أولئك المسيحيين الذين أصرّوا على المحافظة على نقاء معتقدات العهد الجديد.

وفي محاولة فاشلة للسيطرة على الكنيسة وتدميرها عن بكرة أبيها، قام الشيطان بإرسال (طوفان) مِن الاضطهاد والتعاليم المزيّفة لتشتيت الكنيسة وتدميرها. ”فَأَعَانَتِ الأَرْضُ الْمَرْأَةَ، وَفَتَحَتِ الأَرْضُ فَمَهَا وَابْتَلَعَتِ النَّهْرَ الَّذِي أَلْقَاهُ التِّنِّينُ مِنْ فَمِهِ“، والنهر هنا هو نهر الاضطهاد والتعاليم الزائفة.
وخلال هذه الاضطهادات في القرون الوسطى، ابتعدَت كنيسة الله الحقيقية عن القادة المرتدّين والتجأت إلى مكان أعدّه الله لها في (البرّيّة). هناك كان شعب الله الأمين ”وَالْمَرْأَةُ (الكنيسة) هَرَبَتْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، حَيْثُ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ اللهِ لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ أَلْفًا وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْمًا“ (رؤيا ١٢: ٦). وقد تحقّقت هذه النبوءة خلال فترة دامت ١٢٦٠ سنة مِن الاضطهاد، حيث ابتدأت مِن سنة ٥٣٨ ميلادية إلى ١٧٩٨ ميلادية (تذكّر أنْ اليوم يعادل سنة في نبوءات الكتاب المقدّس الرمزية، راجِع حزقيال ٤: ٦).
وخلال هذه القرون المظلمة، وجد المسيحيّون المؤمنون بالكتاب المقدّس ملجأ أينما استطاعوا ــ في وديان (الولدنسيين) في غرب إيطاليا وشرق فرنسا، وفي كنيسة (سلتيك) في الجزر البريطانية.
إنّ النبوءة تتحقّق عبر قرون مِن تاريخ الكنيسة، كما هو مُبيّن بدقّة في سفر الرؤيا، وصولاً إلى كنيسة السيّد المسيح الحقيقيّة في أيّامنا هذه.
لمتابعة الدرس إضغط هنا!